السبت، 6 ديسمبر 2014

عيد المولد وثنية يمقتها الله ورسوله (العلامة محمد حامد الفقي)

ذلك: أن هذه الأعياد تقوم على أساس التعظيم والتقديس العِبادي الذي لا ينبغي إلا لرب العالمين، وقد رسمت لها من أجل هذا المعنى العِبادي- رسوم أعمال وشعائر زمانية ومكانية ومالية وغيرها، التزمها الوثنيون في حقائقها وشُرعت لها وصفات وصورها ومراسمها حتى صارت مناسك يحرصون عليها، ويتمسكون بها أشد من حرصهم على عبادة الله والنُسُك له سبحانه- وتعظيم حرماته وشعائره.

ودليل ذلك قوله تعالى: }لكل أمةٍ جعلنا مناسكَ هم ناسكوه فلا يُنازِعنّك في الأمرِ وادعُ إلى ربك إنك لعلى هدىً مستقيم (67) وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون (68){(1).

 

والجَعْلُ: إنما يكون بالأسباب والسُنن الكونيةِ والعلميةِ الشرعيةِ التي تنتهي بالناس ولا بُدّ إلى غايتِها؛ كجعل الليل والنهار بالسّنن والأسباب.

 

 ويقول في سياق تعظيم شعائره –سبحانه وحده- : }ولكل أمة جعلنا منسكا ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فإلهكم إله واحد فله أسلموا..{ (2) أي أخلِصوا التعظيمَ والتّقديسَ والتأليهَ له وحده، فلا تنسكوا لأوليائكم من دونه فإنها لم تَرزُقكم من بهيمة الأنعام شيئا، بل كانت مخلوقةً مرزوقة، ثم ماتوا وأعادهم الله إلى الأرض التي منها خلقهم وفيها يعيدهم ومنها يخرجهم تارة أخرى.

 

والقرآن والسنة والتاريخ تنادي الأدلة الصريحة من كلها أن الوثنيين من قومِ نوح وإبراهيمَ ومن مُشركي العرب وغيرهم كان أساس وثنيّتهم هذه الموالد والأعياد التي يُقدّسون بها أولياءهم تقديسَ العِبادة؛ فما خلا الجو لإبراهيم حتى جعل آلهتهم جذاذاً إلا حين انشغالهم عنها بإحياء حفلة المولد الكُبرى.

 

والثابتُ المشهورُ أنّ اللهَ حمى نبيّهُ –صلى الله عليه وسلم- من طفولتِهٍ أن يشاركها في وثنيّتهم، فلم يشهد لهم مولداُ ولا عيداً، حتى أكثر الناس لوم عمه أبي طالب، واتهموه بإهمال ابن أخيه، وأنهم يخافون على محمدٍ أن يُنشأ ضلّاً في دينهم، فألحّ على ابن أخيه أن يحضر ولو مرّةً واحدة ليَبرأ أبو طالب من هذه التُّهمة أمام الناس، وأبو طالب هو الرئيس الديني، وراثةً عن أبيه عبدالمطلب سيد قريش، فأبى محمد أشدَّ الإباء لأنه يجِدُ من قلبه أشدّ المَقْت والاحتقار لكل ما هم عليه، فاستعان أبو طالب بعمّاتهن فألحين عليه في الطلب وبَكَيْنَ له شفقةً عليه من قالةِ الناس فيه وفي عمّه، فتأثّر محمدٌ وذهب، ولكنّه ما كاد يَصلُ إلى مكانٍ يسمع منه أصوات المُهرّجين وزمورهم وغوغاءهم حتى انسدّ الأُفق في وجهِه، وصاح به صائحٌ في عُنفٍ وشِدّة:

" ارجع ! فما ينبغي لك أن تشهدَ هذا الزّورَ "

فعاد مرعوباً أشدّ الرّعب، قد امتُقِعَ لونه(3)، فتلقاه عمّاته وقلن له: 

" لا بأس عليك، ما بك؟ "

فقصّ عليهنّ، وقال: "والله لن أشهد هذا الزّور أبداً" -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

 

ولقد كان الوثنيّون يعظمون شعائر مناسكهم الوثنية بالذبائح وإطعام الطعام، والاجتماع من أطراف الأرض يشدّون الرحال إلى مكان هذه المناسك حول قبر وليّهم وطاغوتهم، ويقولون إن هذا يقرّبهم إلى الله لأنه في رضا أولئك الأولياء المُقرّبين منه، والذي لهم عنده ما يشاءون.

 

ومن هنا يتبيّن السِر في أنّ اللهَ الذي يعلم حيث يجعل رسالته: قد جَبَلَ نبيَّه من طفولته على مقتِ ما اتّخذ قومُه وأهله من أولياء، وما كانوا يقيمون لها من أعيادٍ وموالد يُحيون بها عباداتهم وتقديهم في قلوب الناس كلّما طنوا أنهم نسوها أو تناسوها، حين تباطأوا في ملء الصناديق بالنذور، ويتوانون في سَوق الأنعام واعدال التمر والطعام إلى شيوخٍ وسدنة ووكلاءِ هؤلاء الآلهة الأوالياء الموتى.

 

ولقد كان النبي –صلى الله عليه وسلم- كلّما امتدّ به الزمن يزداد مقتاً وكُرهاً لهذه الأعياد والموالد، حتى كان هو وزيد بن عمرو بن نفيل لا يذوقان شيئا مما نُذِر لهؤلاء الأولياء، أو قُدّم تعظيماً لشعائرهم الوثنية، كما روى ذلك البُخاريُّ؛ فلمّا بلغ الأربعين من عُمُره الشريف اشتدّ مقتُهُ لدرجة أن كان لا يطيق أن يرى ولا يسمع لأهل مكة، ففرّ هارباً إلى غار حراء حتى فجأه الحق (4)، وبعثه الله رسولاً مبشّراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً.

 

 وما كان عداء سادات قريشٍ ورؤساؤها إلا حين قام يهدم هذه الطواغيت والأولياء وما اتخذوا لها من شعائر ومناسك ليعود الدين كله لله، وما حورِبَ –صلى الله عليه وسلم- ولا طورِدَ حتى خرج مُهاجراً من مكّة فارّاً بدِينهِ وبدمِه الذي أهْدرَهُ شيوخ قريش وسدنةُ أولئك الأولياء ورؤساؤها المُتجرون بهذه التجارة الوثنية التي كانت تدُرُّ عليهم صناديق الأولياء في عصرنا على ورثتهم من الشيوخ والسّدنة – أقول : ما حورِبَ ولا عُوديَ إلا لذلك.

 

ولقد جاء إليه –صلى الله عليه وسلم- كردم بن سفيان الصحابي (5) يستفتيه في ذبح شاةٍ نَذَر أن ينحرها ببوانة حيث وَجَدَ إبله الضّالة، فقال –صلى الله عليه وسلم- : "هل كان بها عيدٌ من أعياد الجاهلية؟" فقال: لا ، فقال: "فاذبح شاتك"؛ ولو أنّ بوانة كان يقام بها مولدٌ من موالد الجاهلية لنهاهُ أن يفي بنذره بها، لِما فيه من التّشبّه بالمشركين الأوّلين، وإلا كان سؤاله –صلى الله عليه وسلم- عبثاً، وحاشاهُ فداهُ أبي وأمي ونفسي، ولمّا حَضَرهُ الموتُ وقَرُبَ حين رفعه إلى الرفيق الأعلى أخذ يُشدّدُ في التحذير من ذلك ويقول: "اللهم لا تجعل قبري عيداً" مما هو معلومٌ مشهور.

 

فهل يرضى هذا الرسول الكريم الذي هذا شانهُ من طفولته إلى آخر لحظةٍ من حياته الكريمة، وهذا مقدارُ مقته لهذه الموالد والأعياد والوثنية، أن يتّخذ الناسُ باسمه –صلى الله عليه وسلم- هذه الأعياد والموالد؟ لا والله لا يرضاه، وسيعلمون غداً مَن الكذاب الأشِر.

 

أيها الناس. والله إنكم بعملكم هذا المولد لتُحيون دين الوثنية وتُميتون دين رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وإنكم لتُعظّمون شعائر ومناسك الوثنية وتُهينون وتُحقّرون شعائر الله وهدي رسول الله، ومن فعل ذلك فإنه بريء من الله ورسوله، واللهُ ريء منه ورسولـُه، ولن ينفعكم إذ تظلمون انفسكم هذا الظلم أنّكم وجدتم آباءَكم وشيوخكم ورؤساءكم وساداتكم كذلك يفعلون/ فما تلك إلا حُجّةُ الغاوين الذين يقول الله فيهم: }وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ (24) مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ (25) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (26) وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27) قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28) قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30) فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ (31) فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ (32) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ (33) إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (34) إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36){(6) .

 

أما بعد، فأنا أبرأ إلى الله من دين الشيوخ والسادة والرؤساء والأجداد والآباء، ونُدين دين الحقّ الذي يهدينا إليه الله من القرآن الكريم وسُنّة نبيّنا الصداق الأمين صلى الله عليه وعلى آله أجمعين.

 

اللهم إنّا نبرأُ إليك مما يَصنعِ الناسُ بسفههم وضلالهم وبِدعهم الوثنية من مُشاقةٍ لك ولكتابك ولرسولك، زعماً منهم أنهم بذلك يعظمون رسولك الذي بغضت إليه هذا من طفولته، مخدوعين بما خدع الشيطانُ كلّ مشركٍ وكافر في الجديد والقديم من الجاهلين المقلدين المنسلخين من آياتك الكونية والعلمية كافرين بها، مُكذّبين لها.

 

اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت وثبّتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ربنا لا تُزغ قلوبَنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدُنك رحمةً إنك انت الوهاب.

 

  

 

 

(1)              سورة الحج: 67-68 .

(2)              سورة الحج: 34.

(3)              امتُقِعَ لونه: بالبناء للمجهول تغير من حزنٍ أو فزع أو مرض (المعجم المحيط).

(4)              كذا في الأصل، ولعلّ الصحيح: حتى جاءه الحق.

(5)              هو كَردَم بن سفيان بن أبان الثّقفي، وقد ذكر البغوي في تراجمه (كردم) و (كردمة)، والصحيح أنهما صحابي واحد كما قال الحافظ ابن حجر؛ قال البخاري وابن السكن وابن حبّان: "له صحبة".

(6)              سورة الصافات: 24-36.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق